أزمة النفايات في بيروت وجبل لبنان إلى الواجهة… والآتي أعظم!
الأخطر من أزمة النفايات الماثلة اليوم، كفضيحة وكارثة بيئية وصحية، يبقى متمثلًا في إرث الفساد من جهة، ومن جهة ثانية في تأبيد الفساد إيّاه، كحالة ملازمة في بنية الدولة القائمة على التحاصص بين ممثلي الطوائف وإقطاعاتهم، وبعضها مكرّس بالدستور، وبعضها الآخر استجدّ وسط فوضى المشاريع وغياب الرؤى والتصورات الصحيحة. وكم سال لعاب القيّمين والمتعاقبين على السلطة، أمام صفقات وتلزيمات بالتراضي، ودائمًا بالقسط والعدل ولو على حساب المواطن المغلوب على أمره.
شوارع العاصمة بيروت، ومدن وبلدات عدة، بدأت تشهد أزمة نفايات تراكمت على جوانب الطرقات، والمشاهد الصادمة كانت مُتوقّعة مع موعد إقفال مطمر الجديدة، بحيث بلغت طاقته الاستيعابية القصوى بعد تمديدٍ آخر، ورُفع مستواه لمتر ونصف المتر خلال الثلاثة أشهر الماضية، لطمر مزيد من نفايات بيروت وجبل لبنان.
ولكن هذه المرة ليست كسابقاتها، إذ أنه مع مشكلة انتهاء القُدرة الاستيعابية لمطمر الجديدة، استجدّت مشكلات أخرى مع توقّف معملّي الفرز في الكورال والكرنتينا منذ ما يزيد عن شهر، بعد تضرّرهما بسبب انفجار بيروت، كما أن إعادة تأهيل هذة المعامل يتطلّب ملايين الدولارات من العملة الصعبة “غير المتوفرة” في ظلّ الأزمة النقدية التي يعيش تبعاتها لبنان، وهذا يعني أنه منذ انفجار المرفأ، تُطمر النفايات بدون أي فرز، ما شكّل نسبة ارتفاع ملحوظة في كمية النفايات المطمورة، فضلًا عن الكميات الضخمة من الردميات والزجاج التي رُميت في مستوعبات الجمع بعد انفجار بيروت.
لم يقتصر الأمر على ما ذُكر أعلاه فحسب، بل إن تدهور سعر صرف الليرة خلق أزمة بين العمال الأجانب الذين يطالبون بتسديد رواتبهم بالدولار، بحسب العقود الموقعة والشركات التي تأخرت الدولة في تسديد مستحقاتها. وبحسب معلومات موقع “أحوال”، فإن إعلان عمّال معمل العمروسية الإضراب وتوقّف شركة CityBlue عن رفع النفايات مُتّفق عليه للضغط على الدولة، فللمرة الأولى في ملف النفايات، تتكبّد الشركات المتعهّدة هذا الملف خسائر كبيرة، حيث أن العقود مع الموظّفين الأجانب بالدولار، وكذلك شراء وصيانة معدّاتها، ما شكّل أعباء جديدة وكبيرة على الشركات عامة، علما أن هذا الإضراب قد لا ينحصر في منطقة بيروت وجبل لبنان.
في هذا السياق، علم موقع “أحوال” أن قدرة معمل صيدا على الاستمرار قد لا تتجاوز الشهر، في ظل أزمة سعر صرف الليرة اللبنانية، ما يعني أن المناطق الباقية غير مستثناة من هذه الأزمة، وسنرى من جديد مشهد النفايات المتراكمة في مختلف المناطق، وسط غياب تام لخطة الدولة ولوزير البيئة دميانوس قطار.
بجاني: نعيش في قلق دائم
في قضاءي عاليه وبعبدا، امتلأت حاويات النفايات وفاضت حتى صارت مرتعًا للقطط والقوارض، مع عدم تسيير شركة CityBlue مركباتها لجمع النفايات، وبدءًا من عاريا صعودًا حتى المتن الأعلى وعاليه، المشهد واحد، نفايات مكدّسة وبعضها مغطّى بطبقة من الكلس، فيما الروائح تزكم الأنوف، فضلًا عن تكاثر البعوض بشكل لم يعهده المواطنون من قبل.
موقع “أحوال” تواصل مع رئيس بلدية عاريا، بيار بجاني، الذي قال: “نعيش في قلق دائم من موضوع النفايات، ونبقى رهينة للشركات، فنحن كبلديات واتحاد بلديات ليس لدينا لا الإمكانات ولا الصلاحيات لإيجاد حل دائم”، مشيرًا إلى أن البلدية قامت بتخصيص قطعة أرض لجمع النفايات كـ”ستوكات” ليتم حلّ الأزمة، ولكن ليس هذا بحلّ نهائي، فقد تعود الأزمة في أي وقت.
وتابع بجاني: “منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، جرى العمل على مشروع لحل مؤقت للنفايات، عبر وضع رسم 10 دولارات على كل منزل، ولكن المشروع توقف بسبب الأزمة الإقتصادية، ولم يكن هناك أماكن للطمر في مجال البلدية مندهة، ولا إمكانية لإنشاء معامل متكاملة من جهة أخرى، الى جانب المعارضة الكبيرة من الجمعيات البيئية”.
هذا ولفت بجاني إلى أن أموال البلديات محجوزة في الصندوق البلدي المستقل منذ 2018، ويتم اقتطاع حصة النفايات منها، خاتمًا بالإشارة إلى أن المشكلة حاليًا تكمن في إضراب معمل الفرز في العمروسية، التابع لـ GCC أي لجهاد العرب.
أبو سعيد: لحلول مستدامة
من جهته، قال رئيس بلدية شويت، وسيم أبو سعيد، لـ”أحوال”: “كمية النفايات في شويت قُدرت بـ 700 كيلوغرامًا يوميًا، والتي تُقتطَع تلقائيًا من الصندوق البلدي المستقل”، اذ رأى أن الحل يبدأ عبر الدولة المركزية وتقسيم المحافظات ضمن جدول ومخطّط، على أن تتم معالجة النفايات عبر البلديات بتوجيه من قبل الجهات المعنية ووزارة البيئة خصوصًا، لتأمين حلول مستدامة.
شركة “سيتي بلو”
وفي هذا السياق، قال المسؤول في شركة “سيتي بلو” شادي حسيكي لـ “أحوال”: “أنا مسؤول عن حوالي 20 بلدية في قضاء بعبدا، والباقي في قضاء عاليه والإقليم وقسم من الشوف، وحاليًا لا يمكننا جمع النفايات من هذه المناطق بسبب إقفال معمل المعالجة في العمروسية، ولكن مكب الكوستابرافا سمح لنا بجمع نفايات اتحاد بلديات الضاحية والشويفات ووضعها في المكب”.
في المقابل، نفى صاحب ومدير شركة “سيتي بلو”، ميلاد جورج معوض، في حديثه لموقعنا كل ما أُشيع عن الإضراب بين العمال، مؤكدًا أن جميعهم يحصلون على أجورهم.
من هنا، قال معوض: “تحولنا بالتدريج إلى العمالة المحلية بعد انتهاء عقود العديد من العمال الأجانب، وبدأنا بتوظيف اللبنانيين وبعض السوريين في الشركة، لتتجاوز نسبة اللبنانيين الـ70 بالمئة، وجميعهم في الضمان الإجتماعي”، مؤكدا أن المشكلة مرتبطة بتوقف استقبال النفايات لمعالجتها في معمل العمروسية.
شهيب: لا خطة بديلة
رئيس لجنة البيئة في قضاء عاليه، فادي شهيب، قال في حديث لـ”أحوال”: “الأزمة في عاليه موجودة، ولكن ليس هناك قرار بالتوقف عن الجمع النهائي أو الإقفال، علمًا أن مصادر شركة “سيتي بلو” أكدت أن الموضوع قيد الدرس وهناك حلول مرتقبة خلال الأيام المقبلة”، مشيرا إلى أن لا وجود لخطة بديلة مع أعباء فيروس كورونا الذي استنزف البلديات، ولا تستطيع البلدية تحمّل كلفة معالجة النفايات وسط هذه الأزمة الإقتصادية.
هذا ورأى شهيب أن لا خطة توجيهية لدى الدولة أو وزارة البيئة، أو أي مسودة لمشروع يمكن للبلدية المساهمة به أو إنشائه، أو حتى معايير أو تفاصيل أو حلول، وإلا كان بإمكانهم معالجة النفايات في البلديات، ولكن هذا الملف ارتدى ثوبًا طائفيًا، وفقا لشهيب، ومُنعت الحلول.
وبحسب التقديرات من الجهات المعنية، ولا سيما مجلس الإنماء والإعمار، تنتج عاليه بين 40 و50 طنًا من النفايات، تشمل نقاط العبور أي المكبات على جوانب المدينة التي ترمي فيها بلديات وأفراد نفاياتهم، علمًا أن هذه الكميات تقديرية ومُبالغ بها، وتُحسَب وفقًا لعدد المستوعبات والكمية التي تستوعبها، لافتًا إلى أن البلدية ومنذ عام 2018 لم تستلم مخصصاتها من الصندوق البلدي المستقل.
اتحاد بلديات المتن الأعلى
رئيس اتحاد بلديات المتن الأعلى، مروان صالحة، قال لـ “أحوال”: “كلما أردنا إيجاد حلول للمشكلة، اصطدمنا بالمعوقات المادية والبيئية، فمعمل النفايات المتكامل يكلّف حوالي مليونين ونصف المليون دولار، ويشمل معمل فرز ومعالجة وتسبيخ وتفكك حراري، ولكن في هذه الحالة، الروائح قد تصل إلى المقلب الثاني من الجبل، أي إلى الهلالية ورويسة البلوط والعبادية وحتى إلى رأس المتن، عدا عن تقييم الأثر البيئي لمثل هذا المشروع”، مضيفًا: “بعد بدء الأزمة الحالية والتي طاولت حوالي 30 قرية ضمن الإتحاد وغيرها في محيطه وفي المناطق، تواصلنا مع مجلس الإنماء والإعمار، وتوصلنا إلى حل مؤقت باستحداث أماكن مخصصة بكل بلدة لجمع النفايات، حتى يتم معالجتها ويُحل موضوع إضراب معمل العمروسية”.
من هنا، لفت صالحة إلى أنه كان هناك معمل للمعالجة تم تأمين التمويل له من جهات مانحة، إلا أن مشاكل تتمثل بالتزام البلديات بالأكلاف المرافقة من صيانة وخلافه حالت دون ذلك، الى جانب بعض الشكوك بالتقديرات للأطنان Tonnage.
من جهة أخرى، أشار صالحة إلى اجتماع عُقد مع نواب قضاء بعبدا، بينهم هادي أبو الحسن وآلان عون، الذين أبدوا استعدادًا لإيجاد حلّ شامل للمنطقة، معتبرا أن “المشكلة شائكة ومعقدة الى أن يتم التوصل إلى حل شامل ومتكامل، وإلى حينه لا مفرّ من الحلول المرحلية، وهي سيف مسلّط على رقابنا، خصوصًا مع انخفاض قيمة الليرة، فحتى لو كانت المخصصات مليار ليرة، فقيمتها الآن لا تتجاوز 120 ألف دولار، ولا تستطيع أي بلدية القيام بأبسط الأمور، لذا تلتزم البلديات بالحد الأدنى من الأعمال حتى التوصّل الى حل”.
في المقابل، مصادر “أحوال” أشارت إلى أنه ثمة إضرابًا بين العاملين في معمل الفرز والمعالجة في العمروسية، إلا أن مدير الشركة هشام كرامة رفض الإدلاء بأي تصريح في هذا الخصوص.
إتحاد بلديات الضاحية
من جهته، رئيس إتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، محمد درغام، يرجع سبب انتشار النفايات إلى إضراب عمال العمروسية، موضحًا أن مطمر الكوستابرافا لديه القدرة الاستيعابية لسنة وأربعة أشهر، ولكن إذا استمرّ تدفّق النفايات إليه بهذه الكميات، قد يُقفل قبل سنة من تاريخه. هذا وأشار درغام إلى أن الاتحاد اتخذ قراراً بعدم استقبال النفايات من أمكنة غير التي يستقبلها المطمر، لافتًا إلى أن المشكلة ناجمة عن عدم وجود رؤية واضحة حيال ما ستؤول اليه الأمور في المستقبل.
سركيس يقدّم نصائحه للقيمين على إدارة النفايات
وفي هذا السياق، فالباحث والإستشاري، المهندس راشد سركيس، الذي كان قد سبق أن دقّ ناقوس الخطر في ما يتعلّق بالأزمة المستجدّة، واضعًا تصورًا لمعالجة أزمة النفايات، قال في حديث لـ”أحوال”: “كان صوتنا دائمًا ينادي بالتخطيط السليم المرتكز على العلم، الذي يعرف من أين يبدأ وأين ينتهي “، مؤكدًا أن العلاج موجود، وأن ملف النفايات ملف بسيط على قدر ما نبسطه، ومعقد على قدر ما نعقده.
من هنا، أوصى سركيس بالتالي:
1- نصيحة للقيمين على إدارة النفايات في كل الادارات والمستويات، الاستماع لأصحاب الخبرات والإختبارات وقراءة كل المراجع، قبل أخذ القرار وليس بعده:
أ- إذا كانت هناك عشر طرق بيئية لمعالجة النفايات، وأخرى غير بيئية، فيجب اختيار البيئي منها.
ب- على المعني بأمور الناس أن يكون صادقًا مع نفسه وذاته والناس، وإلا لا فائدة من كل الكلام.
2- النفايات هي مواد تبدأ معها مسؤولية منتجها، أي مصنع وتوضيب ومواطن ومطعم ومؤسسة… إلخ، وتستمر بمسؤولية من ينقلها ويعالجها، تحت نظر ووصاية ورعاية من يدير العمليات. كل هؤلاء مسؤولون عما يجري:
أ- على المواطن أن يدرك انه هو الذي ينتج النفايات، وكلما خفّف ذلك برقابة ذاتية بسيطة، يمكنه توفير الكثير من المال ومن الأثر السلبي على البيئة.
ب- على الذي يملأ مكان المعالجة أن يدرك أن الموضوع صحي وبيئي قبل أن يكون تجاريًا بحتًا.
سوزان أبو سعيد ضو, فاديا جمعة